كتاب “عادات الزواج في بلاد النوبة” لمؤلفه مصطفى محمد عبدالقادر يطلعنا على صفحة من صفحات الملامح الثقافية الخاصة بالنوبيين، عندما تأمل المؤلف احتفال أهله بالزواج، اختار وهو يبحث في هذا الموضوع أن يكشف عن ملامح التشابه والتمايز بين الفاديجا والكنوز فيما يتعلق باحتفالهم بالعرس.
القاهرة – أشار الدكتور سميح شعلان في مقدمته لكتاب “عادات الزواج في بلاد النوبة” لمؤلفه مصطفى محمد عبدالقادر (صدر الكتاب ضمن سلسلة الدراسات الشعبية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ويقع في نحو 195 صفحة من القطع المتوسط)، إلى سعي البشر في كل الأزمنة والأمكنة إلى التعايش مع منطق الحياة التي يحبونها، من خلال التصالح مع طبيعة الظروف التي تدعو إلى ذلك المنطق وتتأسس صيغة التصالح على عادات شعبية يتفق عليها ويرضى عنها أفراد كل جماعة.
يأتي هذا الاتفاق والرضا عن تنفيذ تلك العادات من خلال حرص أفراد الجماعة على إثبات قناعتهم بانتسابهم إلى جماعتهم كما تتأسس كذلك على معتقدات وإبداعات شعبية وجميعها تلبّي احتياجات أفراد الجماعة إلى ذلك المنطق في التعايش والإقبال والقبول والرضا بتلك الظروف.
استطاع النوبيون، عبر تاريخهم الطويل، وكغيرهم من المجتمعات الإنسانية أن يتأمّلوا مفردات حياتهم، ويستوعبوا معناها، وفحوى العلاقة التي تربطهم بأرضهم وبأنفسهم وبغيرهم ومن خلال هذا الفهم ابتدعوا أساليب خاصة تعبّر عن حرصهم الدائم والمستمر على حسن العلاقة فيما بينهم وواقعهم.
ويضيف الدكتور شعلان أن المجتمعات الإنسانية قد حرصت على وضع قواعد منظمة للاقتران الشرعي بين الفتى والفتاة، إذ أن حدوث الزواج يعني استمرار الجماعة في صيغتها البشرية، التي تؤكد أن الفرد كائن اجتماعي لا يستطيع مداومة علاقته بالحياة دونما ارتباطه بآخر ولأن الزواج يمثل رابطاً أسرياً نووياً تتشكّل على أساسه وانطلاقاً منه الصورة العامة للمجتمع، تأتي حاجة المجتمع الملحة لترتيب قواعد السلوك المنظمة لكيفية حدوثه، بصورة تشبع حاجة الأفراد الملحّة إلى وقفات احتجاجية ضد رتابة تكرار السلوك اليومي، من خلال المشاركة في أشكال الغناء والرقص اللذين يمثلان أهم أركان الاحتفال، كذلك فإن انتشاء الأجساد بالملابس الجديدة والإكسسوارات والحليّ المبهرة تؤكد الفرحة وتشكّل بعض معانيها التي يحرص الفرد أن يستعرض من خلال رموزها وضعه ومكانته وأيضاً إمكاناته ومواهبه وقدراته الخاصة حيث يعد الاحتفال بالزواج في هذه الحالة مناخاً مناسباً ومحفزاً للاختيار، إذ أنه المكان والزمان والمناسبة التي يسمح المجتمع فيها بتلصص النظرات وتبادل العبارات ومتابعة الحركات والتصرفات من خلال الأمهات، وأيضاً الشباب والشابات.
الأهداف التي تدعو إلى حكمة الاحتفال بالعروسين تنطلق من الرغبة في الإعلان عن علاقتهما الجديدة، وإدماجهما في الحياة الأسرية التي يسيران نحوها، بما يجعلهما يقبلان عليها في حالة من الاستمتاع والبهجة والقبول
والزواج في ذات الوقت يعبر عن نجاح المجتمع في توجيه أفراده إلى الاتجاه الصحيح من العلاقات، وعدم الخروج عن النص الأخلاقي المتفق عليه، وهو الأمر الذي يدعو الجماعة إلى صيغة احتفالية يسعد المحتفلون من خلالها بنجاحهم في التوجيه نحو الشرعية. كل تلك الأهداف التي تدعو إلى حكمة الاحتفال بالعروسين تنطلق كذلك من الرغبة في الإعلان عن علاقتهما الجديدة، وإدماجهما في الحياة الأسرية التي يسيران نحوها، بما يجعلهما يقبلان عليها في حالة من الاستمتاع والبهجة والقبول.
والكتاب بتوجهه العلمي الرصين يؤكد على احتياج المكتبة الفولكلورية لهذا النّوع من الدراسات التي تبحث عن الأدوار المختلفة التي تلعبها الظروف المحيطة بالبشر، وهو الأمر الذي يدعو لفهم الكيفية التي تصاغ بها العناصر الثقافية عند المجتمعات الإنسانية، ولعل الفولكلوريين جميعاً يتفقون فيما بينهم على أن هذا التوجه العلمي هو أحد المقاصد الهامة عندما يتناولون موضوعاتهم البحثية ليكشفوا من خلالها عن المكون العقلي والوجداني لأيّ جماعة إذ أن المقصد الأول البشر الذين يلجؤون إلى تيسير أمور حياتهم وتسييرها، من خلال عناصر ثقافية يختارونها بإرادتهم الواعية للدور الذي سوف يلعبه هذا الاختيار في مجريات حياتهم، وأنه يتم بناء على الاحتياج من واقع اتفاق ضمني بين أفراد الجماعة على الجدوى والنفع الذي يعود على الجماعة بأثرها من خلال الاختبار الموفق، الذي يخضع للتجريب عبر السنين، فتتكوّن بذلك خبرة التمسك والحذف والإحلال والتغيير، وفقاً لطبيعة الوظيفة التي يؤديها الفعل الثقافي في حياة الناس.
كما يؤكد الكتاب التداخل القائم بين الموضوعات الفولكلورية، فعلى الرغم من القضية البحثية له والتي تتجه إلى العادات الشعبية في احتفال النوبيين بأعراسهم، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتحقق دون تناول الإبداعات المصاحبة لهذه الاحتفالات سواء القولية منها أو الحركية، أو العناصر التشكيلية المتعلقة بالأزياء والحلي والإكسسوارات، إنها طبيعة الموضوعات الشعبية التي تتداخل مع بعضها البعض حيث يصعب الفصل فيما بينها، لأنها تكشف في مجملها عن فهم فحوى الاحتفال ومنطقه ووظيفته وغايته والمبررات التي تدعو إلى الاستمساك ببعض عناصره عبر الأجبال المتعاقبة.
لا شك أن هذا الكتاب قراءة صحيحة، وتأمل موضوعي، ورؤية مدققة لبعض عادات النوبيين الشعبية من خلال استعراض ملامح الاحتفال بالزواج ومراحله.
المصدر : البشاير