كتبت : رانيا سعد الدين
فى خطوة ناجحة للوصول للعالمية بالأزياء التراثية، جاء تعاون وزارة التجارة والصناعة مع مؤسسة« دى مودا بيرجو» الايطالية بافتتاح «مركز الأزياء والتصميم »، الذي يهدف إلى إحياء أنماط التطريز والحياكة القبلية والاستفادة منها. تقول بسمة ثابت نائب مدير المركز: «العمل هنا ينصب بالأساس على التطوير والاستفادة من تنوع التراث المصري، الذي تتواءم مفرداته القديمة مع العيش في الحاضر، واستعنا في ذلك بسيدات بدويات ونوبيات أبدين سعادتهن بهذه المحاولة لكي يحافظن على خصوصية زيهن، النابع من ثقافتهن وتراثهن».وتضيف بسمة، أنه على مدار عدة سنوات نفذ المركز عددا من المشروعات؛ لتطوير أزياء تراعي الاتجاهات العصرية مع الحفاظ على الطابع المميز لملابس المجتمع المصري. وتولى المركز تدريب أكثر من 400 امرأة تتراوح أعمارهن ما بين8 1 إلى 35 عاما، قمن بتنفيذ ما تعلمنه من بيئتهن وقراهن، ولكن على أسس علمية حتى ترى الأزياء التراثية النور في واجهات المحلات العالمية. فكما يتباهى البعض بارتدائهم أزياء بخطوط ايطالية أو فرنسية، نطمح لأن نسمع في يوم من الآخرين من يقول إنهم يرتدون أزياء بخطوط بدوية، نوبية».
يحظى الزي النوبي بجاذبية خاصة لدى المصريين والأجانب على حد سواء، فمفرداته وأشكاله تعكس الكثير من ملامح الحضارة الفرعونية. كما أنه زي خاص يشبه طبيعة أهل النوبة، وقراهم البيضاء الواقعة في أقصى الجنوب على ضفتي نهر النيل، وتتخللها أشجار النخيل من كل جانب. حب النوبي لهذه لألوان انعكس على كل شيء في حياته، وظهر هذا جليا في ملابسه، واهتمامه بها، إلى حد انه كان لا يرتدي بعضها إلا في مناسبات معينة لها طقسها الخاص. تقول مصممة الأزياء التراثية شمس الإتربي، إن «للزي النوبي أسراره التي تتواءم مع تراث النوبة الثقافي والاجتماعي» وتوضح «من ينظر إلى أزيائهم يشعر فورا بحبهم وإقبالهم على الحياة بشتى صورها، ويبدو هذا واضحا في أثواب النساء اللاتي يتفنن في تطريزها بأيديهن. وتفتخر كل واحدة بعدد الأثواب التي قامت بإعدادها سواء لها أو لأي من أفراد أسرتها، أو كهدايا تقدمها في مناسبات سعيدة». وتتابع الإتربي قائلة، إن «الرجال قد يكونون أقل حظا من النساء، حيث يتوحد زيهم في أغلب المناسبات باستثناء الأعراس. أما بالنسبة للمرأة، ونظرا لكونها صاحبة الحظ الأوفر في التنوع على حسب العمر والحالة الاجتماعية، فنجدها قبل الزواج ترتدي الجلباب مطرزا بالألوان الخفيفة والهادئة، حتى لا يكون لافتا للأنظار، وبعد الزواج ترتديه بتطريزات غنية وبألوان زاهية يغلب عليها الأحمر، الذي لا يسمح لها بارتدائه قبل الزواج. أما الجلباب الذي ترتديه في المنزل فيكون من القطن وبلا تطريز». وعلى الرغم من أن كل نوع يختلف عن الآخر في تطريزه وألوانه وخامته، إلا أنها كلها متشابهة في ارتداء «الجرجار» فوق الملابس. والجرجار، بفتح الجيم، عبارة عن ثوب محاك من قماش التل الأسود الرقيق، ومزين برسومات منمنمة بنفس اللون، أشهرها ورق العنب والهلال والنجمة قديما، واليوم تنوعت لتشمل القلوب والورود والعديد من الأشكال الأخرى. تشير الإتربي إلى أن الجرجار يمتاز في تصميمه بأنه ذو تفاصيل خاصة على الصدر وقصة واسعة فضفاضة أشبه بالعباءة غير أنه ليس مفتوحا من الأمام. وابتداء من منطقة الخصر إلى ما قبل الركبة تضم من 10 إلى 15 كسرة بالعرض، وباقي الثوب يكون واسعا بلا شيء. ويجب أيضا أن يكون أطول من مقاس صاحبته بحوالي شبر لكي تجره خلفها، ومن هنا جاء اسمه «الجرجار». ويقال إنه صمم على هذه الشكل قديما لمسح أثر أقدام المرأة أثناء سيرها فلا يتتبع خطواتها احد. وترتديه المرأة النوبية فوق أي ثوب، كما أنها لا ترتدي الأحذية إلا في أيام البرد القارص، فالسائد هو «الشبشب الأسود» ذو الأصبع. والمرأة النوبية من عاشقات المشغولات الذهبية على عكس البدوية، التي تفضل الفضة أحيانا. ففي الأعراس نجد العروس وقد غطاها الذهب من رأسها إلى قدميها كعلامة على الثراء، فهي تزين رأسها بأساور تعرف بـ« الجاكيد» وأذنها بـ« البارتوى». وأكثر ما يميز الذهب النوبي «الزمام»، وهو قرط يعلق في الجزء الأعلى من الأذن والطرف الآخر يوضع في طرف الأنف ويجمع بينهما سلسلة. وأخيرا يوضع في القدم زوجان من الحجل يطلق عليهما «الخلخال»، وبرغم ارتفاع أسعار الذهب لم تندثر هذه العادة، وقد تلجأ بعض الأسر إلى الاستعارة من القريبات أو استخدام ما يطلق عليه« الذهب القشرة» حتى تكتمل الصورة. والصورة هنا ألا يتم زفاف العروس إلا وهى تشع ذهبا، مصداقا لكلمة« نوبة »، التي تعني فرعونيا« الذهب»، وسميت كذلك نظرا لوفرة مناجم الذهب بأرضها منذ العصور القديمة. تضيف الإتربي، يجب ألا ننسى أهم ثوب في خزانة المرأة النوبية وكان يطلق علية قديما «ثوب الدس»، وهو أهم ثوب تقوم بخياطته المرأة؛ لأنه يستغرق وقتا طويلا في إعداده وتطريزه، وقد يصل إلى عدة أشهر، ويكون بلون زاه كالأحمر والأخضر أو الفوشيا والزهر، ولا تستعمله إلا في الأعراس. وفيما عدا هذه المناسبة، فإنها تحفظه وتخفيه إلى حلول عرس جديد. وتقول المصممة شمس، إن جهاز العروس، تتفنن في تصميمه العروس نفسها هي وبعض المقربات من صديقاتها، وذلك بعد دفع المهر. ففنا التطريز والتفصيل تتعلمهما الفتاة منذ صغرها حتى تملأ أوقات فراغها، وتعد أثواب زواجها، التي تتنوع خامات تطريزها ما بين خيوط الحرير والفضة الرقيقة وغيرها من الخيوط الملونة. ولا تنسى أغطية الرأس فهناك «الشاش» وهو شال أبيض خفيف تطرز أطرافه ببعض الرسومات البسيطة، ويوضع على الرأس وينسدل ليغطى الظهر. في العادة ترتديه المرأة في المنزل، أما عند خروجها فترتدي الشال وهو غطاء أسود، مطرز بألوان زاهية . تشير الإتربي إلى أن «لليلة الحناء» أو« الكوفرية » كما يطلق عليها في اللغة النوبية اهتماما خاصا من العروسين وأهاليهما. فهي تبدأ من صباح يوم الزفاف وتمتد لسبعة أيام، وتكرس للملابس التي يرتديها العروسان، حيث يرتدي العريس جلبابا أبيض من القطن وشالا من الحرير وعمامة بيضاء على الرأس، ويضع في قدميه خفا أحمر اللون يسمى«مركوب» بالعربية. أما في الحياة اليومية، فهو لا يرتدى سوى اللون الأبيض أو البني منه. كما يفتخر العريس ـ أحيانا ـ بحمل السيف والخنجر في هذا اليوم علامة على الشجاعة والرجولة، أما العروس فتتحلى بثلاثة أنواع من الأغطية، واحد شفاف للوجه والثاني ملون فوق الرأس، والأخير من القماش الأبيض الثقيل يغطى به الرأس بالكامل. وتقول المصممة أيضا، إننا أصبحنا نشاهد اليوم من ترتدي الجرجار النوبي، على غرار الجلباب الفلاحي، وبالتأكيد ليس بشكله التقليدي ولكن بلمسة معاصرة، مضيفة، أنها «ومنذ ربع قرن وأنا أقدم الكثير من التصميمات التي استنبطها خاصة من الزى النوبي، وقد اخترته بالذات عندما أردت التعبير عن هويتي المصرية والتأكيد على عروبتي واعتزازي بتراثي الفني، عوضا عن تقليد الآخرين ممن يطلقون عليهم ملوك الموضة في أوروبا، خاصة أنه مع زحف المدينة وطغيان الآلات، بدأت الأعمال اليدوية تتقلص وتتراجع، وفي المقابل، نلاحظ أنه كلما بعدت المنطقة عن المدينة أو العاصمة قل تأثرها واعتمادها على الآلات، واحتفظت بكيانها وهذا ما يميز البيئة النوبية». والملاحظ أن الأزياء التراثية النوبية لم تعد حكرا على بيئتها وأصحابها، بعد أن أغوت السائح الأجنبي والعربي على السواء بجمالها، إضافة إلى تأثيراتها على ساحة الموضة. فمن الجرجار والجلباب النوبي انشقت مئات الموديلات ومن اللون الأخضر، لون المصري القديم المفضل في المناسبات السعيدة دلالة على الخير والرخاء، وظهرت أثواب غاية في الأناقة أكثر ما يميزها الخامات المصرية، سواء كانت من الحرير الطبيعي المغزول والمنسوج يدوياً أو مصنوعة من خيوط القطن. وفيما يخص خيوط التطريز في الزي النوبي، فهي إما من القطن أو الحرير، وتتباين بين ألوان الأسود، الأبيض، الأحمر، البني، الكاكى، الأصفر والبرتقالي، مع إدخال بعض الألوان الجديدة بين الحين والآخر، لتصل إلى 23 لونا. ويساعد هذا التنوع، كما تقول الاتربي، على إدخال أكثر من لون في الجلباب الواحد دلالة على التميز النوبي، مشيرة إلى انه دخل أزياء السهرة والمساء أيضا «فقد أصبحنا نرى سيدات يرتدين الجلباب في بيوتهن عند استقبال ضيوفهن، ويحرصن على ذلك، وإن لم تكن العديدات منهن يعرفن أن هذه العادة تختص بها السيدة النوبية، التي تعد أكثر من جلباب لاستقبال الضيوف» . وتنصح المصممة الاتربي بالحرص على توافق الثوب مع لون البشرة، لأن ما يلائم السمراء لا يصلح للشقراء والعكس، على الرغم من أن المرأة النوبية ترتدي كل الألوان.
المصدر : الشرق الاوسط |