.
كاتبت هاجر حمزه
«النوبة».. الكملة الحزينة المبهجة، سكانها أصحاب البشرة السمراء والقلوب النقية البيضاء، هي الساحرة البهية، هي التي دفعت الثمن لأجل الجميع من أرضها وذكرياتها وحكايات الأجداد وآهات الأبناء ووجع الأمهات، وظلت كلمة واحدة يرددها الأجداد في أذهان الأحفاد منذ أكثر نصف قرن مضى وهى «العودة».
وظلت القضية يتناولها كل حاكم يتولى أمور البلاد كنوع من الدعاية دون تحقيق المطالب على أرض الواقع، وعقدت كثير من الاجتماعات واللجان حول تنمية النوبة وحق العودة دون نتيجة، إلى أن أصدر المستشار إبراهيم الهنيدى، وزير العدالة الانتقالية وشئون مجلس النواب، قرارا منذ يومين بتشكيل لجنة لتنمية النوبة برئاسته.
وأكد اهتمام اللجنة بوضع مقترحات بمشروع قانون للتنمية المتكاملة لمنطقة النوبة وضفاف بحيرة السد، وذلك من خلال مشاركة أهالى النوبة، وتكون لهم الأولوية فى الاستفادة من التنمية العمرانية والاقتصادية، ووضع مقترحات للحفاظ على الهوية والأنماط الثقافية وبنية المجتمع المحلى للنوبة.
يقول أحمد إسحاق، رئيس قبيلتي توماس وعافية – أكبر قبائل النوبية وأحد أعضاء، إن هناك لجانا كثيرة انعقدت بخصوص حقوق النوبة، ولا يمكن تقييم اللجنة الحالية حتي تثمر عن قرارات جادة علي أرض الواقع؛ لأن الوعود كثيرة علي مر العصور، مضيفا أنه قدم 3 بنود واضحة ومحددة لرئيس اللجنة المستشار إبراهيم الهنيدي وزير العدالة الانتقالية، تتمثل في إقرار العودة بشكل واضح وصريح دون لبس أو غموض، وإنشاء هيئة عليا لتعمير النوبة، وإحياء جمعيات التنمية الزراعية لـ 44 قرية لتكون بداية وضع يد علي أراضيهم.
ورفض “إسحاق” تسليم هذه الأراضي إلي مستثمرين أو آخرين؛ لأنها أرض النوبيين التي تم تهجيرهم منها، مؤكدا أنه طالب من الوزير بضرورة إشراك بعض المتخصصين من النوبيين في مجالات متعددة؛ لوضع ضوابط قابلة للتنفيذ وإشراكهم في مجالات التنمية بجميع بقاع مصر.
وعن المخاوف الأمنية إثر العودة، قال غاضبا، إن الحدود المصرية السودانية تعيش في سلام وأمان مطلق منذ بدء الخليقة حتي تاريخ التهجير “الشؤم”، رغم ما تعرض له النوبيون من غبن وظلم، مشددا على أن أمن مصر القومي في عيون كل نوبي؛ لأنه لم تبدر من أي نوبي ما يعكر صفو الدولة، رغم جور المسئولين السابقين، ومؤكدا أن سجلات وزارة الداخلية تشهد بخلو المنطقة من أي سلبيات تذكر.
من جانبه يري المستشار محمد عدلان، رئيس النادي النوبي العام وأحد أعضاء لجنة تنمية النوبة، أن تدشين اللجنة يمثل خطوة إيجابية في حد ذاتها، وأنه لمس في اجتماعه مع وزير العدالة الانتقالية جدية اللجنة علي تحقيق مطالب أهل النوبة، موضحا أن الاجتماع الذي عقد قبل العيد، كان نواة، ولم يصدر أي قرارات عن اختصاصات اللجنة وصلاحيتها وجدولها الزمني في الفترة المقبلة، مؤكدا أنه سوف يتم تحديد ميعاد لاجتماع اللجنة من أجل البت في أعمالها خلال الأيام المقبلة.
أضاف “عدلان” أن هناك محاور واضحة لمطالب النوبيين سوف يتم طرحها والتأكيد علي تنفيذها خلال عمل اللجنة، أبرزها حق العودة، وتفعيل المادة 236 من الدستور الجديد بتنمية النوبة وبحيرة ناصر بمشاركة أهاليها، وتذليل العقبات أمام الجمعيات الزراعية النوبية الذي بلغ عددها 45، فرغم تأسيسها منذ عامين ونصف إلا أن هناك عقبات من جانب وزارة الزراعة لإشهار هذه الجمعيات من خلال مطالبتها بتسديد رسوم باهظة لا يقدر عليها أهل النوبة.
وأوضح رئيس النادي النوبي العام، أن هذه الجمعيات تعتبر نواة العمل في الأراضي التي سوف يعود إليها النوبيون، وتهدف إلي تدشين البنية التحتية للزراعة؛ لأنه من المقرر أن تمنح كل قرية بعد العودة 5 آلاف فدان للزراعة، مؤكدا أنه من المطالب الأخري التي سوف يتم مناقشتها في اللجنة، إتاحة الفرصة للجاليات النوبية الموجودة بالخارج لضخ أموالها للاستثمار في النوبة عبر المشروعات.
فى نفس السياق، يقول الدكتور أحمد عواض، المخرج السينمائي وعضو لجنة تنمية النوبة، إنه دعي لاجتماع قبل عيد الأضحي مع وزير العدالة الانتقالية؛ لبحث تفعيل المادة 236 من الدستور الجديد التي تنص علي “تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها في مشروعات التنمية وفي أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وذلك علي النحو الذي ينظمه القانون، وتعمل الدولة علي وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلي مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك علي النحو الذي ينظمه القانون”.
وتابع “عواض” أن الجدية في العمل وتنفيذ ما يناقش في اللجنة، هو المعيار الأساسي الذي يضمن استمرار عضويته في اللجنة، وعكس ذلك سوف يؤدى إلى انسحابه، مشيرا إلى أنه من المنتظر تحديد ميعاد لعقد اجتماع للجنة خلال الأيام المقبلة.
وأشار هاني يوسف بهلول، المنسق العام للاتحاد النوبي، أن بوابة النوبة محافظة اسوان وليس القاهرة، مضيفا أنه لا يمكن تشكيل لجنة تنمية النوبة من مجرد عقد اجتماع داخل القاعات المكيفة المغلقة لوزير العدالة الانتقالية فى القاهرة، يختار فيه مجموعة من الأعضاء، فكان يجب عليه أن يأتي أولا إلي أسوان ويستمع لمطالب أهل النوبة من خلال إدارة حوار مجتمعي واسع يكون بعده اتخاذ قرار بتشكيل اللجنة واختيار ممثليها.
اختتم “بهلول” أن النوبيين سأموا من اللجان والوعود الكثيرة، وكان أبسط خطوة تثبت حسن نية الحكومة الحالية تجاه حقوق النوبيين، تفعيل المادة 236 من الدستور الجديد التي تلزم الدولة بإعادة النوبيين خلال عشر سنوات، وكان من المفترض ترجمة هذه المادة بإصدار قرار جمهوري بإنشاء الهيئة العليا لتعمير القري النوبية ثم يبدأ الحديث عن تشكيل لجان.
المصدر : البديل